المشاركات الشائعة

الأربعاء، 27 أبريل 2011

كلمات الوفاء لدرويــــش....



أيـّهــا الراحــلُ عنّـا


::الشـاعر محمـود درويش::

بقلم: الكاتب/ عمر سعدي 

درويـشُ اسمٌ مـن مفــرداتِ اللـغة ، عـاش الحــلُم مرّتين وفي المرتـــين لم يتحقق من الحــلم غير الاستــيقاظ عــلى عجــل.

درويـش لــغةٌ بـلا لُغـة وعــنوان بلا عُنـوان، وطـنٌ صغـير في الديــار الهـاربة وصـوتٌ شحـيحٌ لضـوءِ القـمرِ ، يحـتَرقُ بِفكـرهِ لكـي يوقـظ عـنفوان الأمـم. مـحمـود درويــش ريشـةٌ أخـرى تُلاطفُ خـدَّ ذاكَ الأفـق وتمنـحُ طيـر هذا الزمــنِ المرهـون للأحـلام يقظـتهُ الطـويلة .

درويــش كـان سفـينة للشـرقِ تحمِلُ فوقـها وجـع البحـار وأغـاني يطـرب الأشرارُ مِـن وَقـعِ خُـطاهـا ومــرايا تَكسِرُ الإيقاع حتـى تولـدَ الكـلمـاتُ مِن رحـمِ القضـية وكـأنَّهـا قضـيتُهُ لِوحـدهِ .

محمـود درويـــش ؛

اسمي

وإن أخطأت اسمي..

 بخمسة أحرف أفقية التكوين لي

ميـم المتيـم والـميتم والمتمم ما مـضى..

حاء الحديقة والحبيبة حيرتان وحسرتان

ميـم المغامـر والمعـد المـستعد لـموته..

الـموعود منفيا مـريض المشتهى

واو الـوداع ؛

الـوردة الـوسطى

ولاء للـولادة أينما وجـدت

ووعد الوالدين ...

دال الدلـيل الـدرب دمعه..

دارة درسـت ودوري يدللـني ويدميـني

وهذا الاسـم لــي ولأصـدقائي أينمـا كانوا...



ربـَّمـا كـانَت الأضـدادُ تمنــحُهُ الهـوية فالـحروف العـابـراتُ كظـلِّهـا من شُـرفةٍ لـم تعـرف من اللغـة إلا المُـفردات النـاعِسـة فكـما كـانت تقـودهُ لكتـابة الأشـعار كانت هـي الأخـرى تُطـلق لأفـكاره العنـان بحـثاً عن هـويةٍ مؤقتــة وكأنَّـهُ عرفَ آنـذاكَ بأنهُ سيمــوتُ منـفياً وأضــرَم فـي مُخـيلتـهِ الخصيـبةِ نـار التـأمل المـرهـونِ بالأيـامِ نضـالاً أبـدياً .

عـرفتُ محمـود درويـش عنـدما سجـل للمـرةِ الأولى اسمـهُ في جـوازِ سـفَري ، فـسجَّلـتُ مِثـلهُ "أنـا عربـي ورقم بطـاقتي خمسـون ألفـاً" ولـم يحـن وقـتُ السفـَر إلا وكـانَت الأضـدادُ تُعـرقلُ التـرحـال وتخـلِّي البـال في فوضـاهُ حـتى بـدأتُ أبحـثُ عن وطـنٍ فـي الوطـنِ الأسـود والـذي بقـيتُ أحسـبهُ مُـعَبَّداً  إلى لحظـاتي تـلك مستـأنِسـةً بنبـضٍ يتبـاطأ تـارةً تـلوَ أخـرى.

اتَّخــذ محمـود درويش الحُـلم مسـكنهُ وحيـاتهُ فتـلاشى الحُلم وبقـي الشـاعـرُ القـلم يحـنُّ إلـى صفـحاتِ الأمـةِ البيـضاء كي يكتُب فـوقها مـا يشاء فبقــي صغـيراً ينتظـرُ الصـدى حـين يعـودُ مرمـياً عـلى ضوضــاء الأرصـفة ودخــان الميــادين المطمئــنة فكـان حنـينُهُ رمـز التمـرّد والتكـاثُف فـي دخـان الضـوءِ والمـاء الذي ترسـو فيهِ مُعـظمُ الكـلمات كمـلحِ الزمـن العمـيقِ الذي تتـحدُ فيـهِ مُعـظَمُ التسـاؤلات وتختفـي مِن خلالهِ جمـيعُ الأسئلة.

أخـذَتنا الغفـلةُ بمـا لدينـا وفرحـنا لَمَّا نسيـنا ولكنّ اليقـينَ النابتَ كالعُشبِ البـريِّ زادَ مـن صحـوتنا قلـيلاً وأبقـانا على أعتـاب دُنــيا غـريبَة الأطـوارِ تمنَـحُ العاشقينَ محبَّـتهَـا التي لا تكــفي كـي تُصـبحَ سلاحـاً فـي وجـوهِ الجبـناء.

درويــش؛

أنـتَ التعـلُمُ والتـألُّمُ

أنـتَ إيـقاعُ الشظـايا وانقـطاع الأزمِـنة

أنـتَ انهـيارُ الذاتِ في قلبِ المرايا المُعـتمة

زهـرةُ الأيـامِ ضـاعَت في حكـايات الزمان

والهـوى انهـار عـلى الريحِ دُخـان

فصـباحُ الخـيرِ للذكـرى

وصــباحُ الخـير يا أيـها الإنسـان



ويبقـى القـلَمُ الهـوية فـاغراً فاهُ ، ملاقـياً تضـاريسَ اللغـة ومُقتحمـاً صـدرهـا الراقِص مُعـلناً صَمـتَهُ الأبـديّ في انتظـارِ صمـتٍ يُطـرقُ رأسَـهُ مِن جــديد بـاحثاً عـن "موضـة جديدة" للفـكر وآخـذةً كيـان القُـنبُلـة فـي سمـاء السـرِّ العمـيق.

محمـود درويـش حـينَ تحـدّى لـم يتحـدى عـدوَّهُ فحـسب بـل حمَّـلَ نفسـهُ الثـورَة وانقـلاب الأزمـنَة وتمـادى في التـدحرُجِ مِن فـوقِ القـممِ الشــامخـة وعـاوَد الكـرَّةَ مرَّاتٍ عديـداتٍ ليصـرعَ سيـِّد الأزمـان ، فوحـدهـا الأزمـان تحمـل الأبطـال فوقَ أكتـافهـا وتمضـي بهِـم إلـى أوَّل مقــبرَةٍ للفـكرِ وتترُكُـهُم هُـناك.

كشـظـيةٍ في الأرضِ ودَّعـتَ الـوطَن الـذي لا زِلـتَ تَبحـثُ عُنـهُ وكـنتَ واثـقاً كـلَّ الثـقة بأنَّـهُ ليـسَ موجـوداً إلا فـي خيـالِك وبقـيتَ تُـصوِّرُهُ للنـاس حتـى صـار جـزءً حقيقياً مــنا وصـار حُـلمَكَ هـو هـويتـنا الأخـيرة.

فـي وسـطِ الضبـاب المجهـري وقـفتَ تُـناضل وعـرفتَ معــنى الضـياع فـي سنـواتٍ تُجــنِّدُهـا الـدموعُ فجـاهـدتَ بأوَّل دمعـةٍ عرفـت عينـاكَ وبقـيتَ تحفـرُ خـندق الفـكر لتـوصل لنـا الحِكمـةَ العُـليا كي نُـروِّض أفكـارنا ونحـلمُ من جـديد.

أنـا لا أمـلكُ لـغةً أتخطّـى فيـها حـاجِز الصـمتِ ولا حتـى حـاجزَ المـوتِ الأخـير، تهتــزُّ مـن فـوقي المعـاني باتجـاهِ النصِّ العنـيد ، تَلفحـني قـوةَ الخيـالِ بنـوبةٍ أخـرى من الصمـتِ ـ لعلـَّك كُنتَ تُـدرِكُ بأنَّ الصمـتَ سِلاحـنا الأخـير ... وبقـيتَ تصـرخُ حتى النبـضة ألأخـرى لـديكَ وبقـينا بـانتظـار قصـيدةٍ أخـرى نقرؤهـا بتمعـنٍ فنـدركُ بأنَّـكَ الآن لـستَ هُـنا .



...........

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق